أيهما أسهل: سدّ الفجوة المالية أم العسكرية؟
جورج شاهين
Saturday, 27-Dec-2025 07:32

على عتبة نهاية سنة وبداية أُخرى، أقرّ مجلس الوزراء بالأكثرية المطلقة أمس، مشروع قانون «الانتظام المالي» المعروف بقانون سدّ «الفجوة المالية»، بعدما اصطف المعارضون «الأضداد» من أطراف المكونات الحكومية في خندق واحد، الذين لم يلتقوا يوماً على أي موقف موحّد من موضوع سدّ «الفجوة العسكرية». هو أمر فتح جدلاً هامشياً حول مصيرهما، وعمّا إذا كان سدّ الفجوة المالية منها أهون من العسكرية بوجهيها الداخلي الخاص بـ «حصر السلاح» والخارجي بـ «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي»؟

كان واضحاً بالنسبة إلى رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام، والفريق المؤيّد للمشروع بصيغته التي طُرحت للمناقشة، أياً كانت الأوصاف التي أغدقت عليه والتكلفة المترتبة على البتّ به، أنّ المهمّ أن يُقرّ مشروع القانون بالصيغة المقترحة، لتأمين الانتقال الدستوري الآمن من السلطة التنفيذية في الطريق الإلزامية التي عليه عبورها، إلى مدار السلطة التشريعية، حيث سيضيق هامش المناورة إلى النهاية التي لا يمكن لفلفتها أو إخفاؤها، كما حصل في الأمس خلال الجلسة الثالثة للحكومة.

 

وعليه، يعترف مصدر حكومي، أنّه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان. فالجميع يدرك قدرات الدولة وأوضاعها المالية والنقدية، وانّ الحلول الأخرى التي مرّ على التداول فيها أكثر من 5 سنوات، لم تصل إلى أي نتيجة عملية. ولذلك كان الإصرار على البتّ بالمشروع أياً كانت المواقف الحكومية منه. فالحسابات التي أُجريت مسبقاً انتهت إلى نتيجة مضمونة، فكان التهديد بالتصويت الذي لم يعد أمراً صعباً او هجيناً، بعدما عُرضت على التصويت قضايا شائكة، ولا سيما منها تلك المتصلة بعملية «حصر السلاح»، بعد الفشل في تأمين التوافق أو الإجماع.

 

وعليه، أضاف المصدر، لم يكن مفاجئاً أنّ وزيري «الحزب التقدمي الاشتراكي» انتقلا من صفوف المعارضة إلى صفوف المؤيدين قبل الجلسة بأيام، وبقي في صفوف المعارضة وزراء حزب «القوات اللبنانية» الثلاثة من أصل أربعة، ليس لسبب سوى أنّ وزير الخارجية جو رجي غادر الجلسة قبل الوصول إلى مرحلة التصويت، ووزير حزب «الكتائب اللبنانية» عادل نصار، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء شيعة من أصل خمسة، بعد أن خرج على موقفهم المتضامن وزير المال ياسين جابر، بصفته أحد واضعي القانون إلى جانب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي. وشاركت وزيرة الشباب والرياضة الدكتورة نورا بيرقداريان ووزير الإتصالات شارل حاج المعترضين. وفي ظل غياب وزير الثقافة غسان سلامة عن الجلسة، نال مشروع القانون موافقة رئيس الحكومة ومعه 12 وزيراً.

 

وكان لافتاً انّ وزيرين صوّتا إلى جانب المشروع، رغم تسجيلهما تحفظات جزئية، كما فعل وزير الداخلية العميد احمد الحجار، الذي طلب تمييز العسكريين المتقاعدين عند احتساب تعويضاتهم، ووزير الإعلام الدكتور بول مرقص الذي حمل إلى الجلسة دراسة قانونية، سجّل فيها أكثر من اعتراض جزئي. وبعدما تمّ الأخذ بعدد من ملاحظاته، صوّت إلى جانب المشروع محتفظاً ببعض تحفظاته الأخرى، ومنها السعي إلى «ضرورة تحصيل مزيد من حقوق المودعين، والنهوض بالقطاع المصرفي مجدداً، وعدم وجود أرقام واضحة وكافية».

 

كما لفتت مطالعة وزير العدل عادل نصار، الذي أشار بداية إلى انّه لا يعارض لمجرد المعارضة او تسجيل موقف للمزايدة على أي من زملائه. ولكنه طرح مجموعة من الملاحظات المهمّة التي لا بدّ منها، للتأكّد من انّ المودع سيكون وضعه بعد القانون أفضل مما كان قبله. ولذلك توقف أمام حجم الغموض في آلية تمويل الخطة، طارحاً مخارج عدة، وأبرزها السير في التدقيق الجنائي في مصرف لبنان والدولة والمصارف قبل الأزمة التي وقعت في 17 تشرين وبعدها، بالتزامن مع البتّ بالمشروع توصلاً إلى تحديد المسؤوليات وتوضيح الأرقام والقدرة على الإيفاء بالالتزامات. ذلك انّ هناك مليارات عدة هُدرت بعد بداية الأزمة، كما انّ المشروع لم يقدّم تفسيراً حول مصيرها، ولم يحدّد طرق إنفاقها، وان كان ممكناً استعادتها أم لا. كما لفت إلى اهمية التثبت من قدرة بعض المصارف على بقائها في السوق المصرفية. وسأل عن الجهة الصالحة لتحديد أصول الطعن، وتقدير الخسائر التي على الدولة إعادتها إلى مصرف لبنان، فلا يمكن أن تكلّف الحكومة بمثل هذه المهمّة، وانّ الحاجة ماسّة وضرورية إلى وجود طرف محايد للبتّ في النزاع الناشئ بين الدولة ومصرف لبنان، يمكنه أن يحدّد هذه الخسائر وآلية استعادتها بطريقة قابلة للتطبيق بصدقية يحتاجها الجميع من مودعين ومسؤولين أياً كان موقعهم.

 

على هذه الخلفيات، تنتظر المراجع السياسية والديبلوماسية بشيء من القلق على مصير القانون في المرحلة المقبلة، وما هي العقبات التي سيواجهها في المجلس النيابي، بعدما عبّرت قوى أساسية عن رفضها لشكله ومضمونه وتوقيته، في محطة تختلط فيها المواقف وتعدّد الرمادية منها، إن أصبحت البلاد على عتبة الانتخابات النيابية ولم يُبت بمصيرها إن كانت ستبقى في موعدها او تُؤجّل، لأنّه في حال التأجيل قد تتغيّر مواقف عدة، وجدت في الملف مناسبة لإشهار سيف المعارضة والمزايدة على كل الأطراف بمن فيهم الضحايا المتفق على هويتهم، وهم من المودعين الذين فقدوا جنى العمر وما جنوه طوال سنوات العمل في لبنان والخارج. ولذلك يبقى الرهان قائماً على خطوات اخرى يمكن أن تسهّل تنفيذ القانون، وهو أمر أشار إليه العقلاء في الساعات القليلة الماضية، بلفتهم النظر إلى ضرورة أن تحصّن الحكومة مشروعها بسدّ «الفجوة المالية» بخطوات أمنية لسدّ «الفجوة العسكرية» وتوفير الاستقرار في اسرع وقت ممكن. وهو أمر بات في نظر المراجع، يكمن في استكمال خطط «حصر السلاح» ونزع الذرائع من إسرائيل للحدّ من غيّها وعملياتها العسكرية التي جعلتها هدفاً طويل الأمد ولا علاقة لها باستكمال ما استطاعت اليه سبيلاً من اغتيال هذا او ذاك من مسؤولي «حزب الله» وعناصره، بمعزل عمّا يمكن أن تحققه المفاوضات الجارية على أكثر من مستوى، من دون التهاون بنظرية لا نقاش فيها، تقول إنّ المفاوضات الأهم والأكثر دقة وفاعلية هي التي تجري خارج آلية «الميكانيزم»، التي سيكون عليها ترجمة الانفراجات الديبلوماسية إن تحققت قريباً، وخصوصاً إن نجحت الوساطة الأميركية بدفع إسرائيل إلى التراجع عن بعض النقاط المحتلة، كخطوة تساوي بعضاً من الخطوات التي حققها الجيش، وباتت تستأهل انسحاباً اسرائيلياً كاملًا او جزئياً على الاقل، إن ارادت تسهيل خطط جمع الأسلحة، قبل ان يثبت لدى الجميع أنّها لن تُقدم على أي خطوة تسهّل جمع الأسلحة غير الشرعية اياً كان الثمن، وهو أمر يوفر الخدمة لطرفي النزاع تحديداً، وتدفع ثمنه الدولة ومعها أكثرية اللبنانيين الراغبين بإنهاء حالة الحرب وتردداتها ولو بمفعول رجعي إن كان ذلك ممكناً.

الأكثر قراءة